السبت، 24 يناير 2015

قصة كاثرين .. من السرطان إلى متجر الزهور !



عانت كاثرين صغيرة. أُصيب والداها بالسرطان وهي في مقتبل عمرها. شهدت أوجاعهما وآلامهما وتساقط شعرهما. نبتت وسط الدموع التي تكاد تغرق منزلها فأصبحت وردة تستيقظ من بستان الحزن.

نشأت بينها وبين الزهور، التي يجلبها الضيوف إلى والديها، علاقة فريدة. كانت متنفسها الوحيد بعد تدهور وضع والديها الصحي. تسقيها وتتأملها وتكبر. وجدت في الزهور ضالتها.

انشغلت كثيرا برعاية والديها وهذه الزهور. لكن مات والداها وتبقت زهورها.

حاولت كاثرين استثمار هذه العلاقة الاستثنائية مع الزهور بافتتاح متجر تبيع فيه منتجات مطلية بالورد الوردي، لكنها كانت خائفة أن تخفق. كلما شاهد أحد تصاميمها المفعمة بالورد اقترح عليها أن تشرع في بيعها. كان الكثيرون مؤمنين بإبداعها إلا هي. كانت مؤمنة أنها مجرد هاوية لا يمكن أن تجد لها مكاناً وسط الكبار.

 

وسط هذا التردّد والمخاوف أصيبت كاثرين بسرطان الثدي. واجهت المصير نفسه، الذي واجهه والداها. الإشعاع الكيميائي والآلام ورائحة الأدوية القاتلة. النبأ السعيد وسط ركام الفجائع هو أن التشخيص أثبت أن المرض في بدايته والقضاء عليه وارد. شرعت في العلاج وتجاوزت الخطر.

بعد أن تلقت هذا الخبر فتحت كاثرين ملفاتها القديمة. نفضت الغبار عن مشروع متجرها. تخلت عن تردّدها. رأت أنه لا شيء يستحق الخوف بعد أن واجهت الموت في لقاء مباشر. افتتحت دكاناً صغيراً يبيع أكواباً وأطباقاً وملاعق ملوّنة بالورد الزكي. سحرت هذا التصاميم سكان هولاند بارك في لندن عام 1994.

 نجاح دكانها الصغير شجّعها على افتتاح فروع أخرى وبيع منتجات جديدة. في حلول عام 2011 تمكنت كاثرين أن تفتح 41 فرعاً لمتجرها “كاث كيدستون” في بريطانيا وحدها ناهيك عن خارج بريطانيا.


لمسات تصاميمها الناعمة ووردها أصبحتا علامة تجارية تخطف الألباب وتملأ المطابخ الأنيقة حول العالم.

تشكر كاثرين أو كاث كما يناديها أحبتها المرض الذي جرّدها من مخاوفها وأتاح لها فرصة معانقة حلمها.

إن حياتنا قد تبدأ مع الأزمة ولا تنتهي معها، كما كنا نظن ونعتقد.

إنني أثق بنجاح المنكوبين أكثر من غيرهم. ليس لديهم الكثير ليخسروه. لا ينهبهم التفكير في حسابات النجاح أو الفشل. لديهم إيمانٌ كبيرٌ بأن الحياة قصيرة ولا تستحق أن نصرفها في القلق. أمامهم خيارٌ واحدٌ وهو الشروع والبدء. لذلك لا يتردّدون. ينطلقون نحو أهدافهم بسرعة قصوى. مَن يخشى أن تتجعد ثيابه لا مكان له في مضمار السباق حامي الوطيس. حلبات النجاح لا تعترف إلا بمَن يدخلها ولديه عزيمة الفوز التي نضجت إثر آلامه.


إن مَن تعرّض إلى هِزات في حياته أكثرنا قدرة على التوازن في الظروف الصعبة. يجيد التعاطي مع أحلك المواقف برباطة جأش وثقة عزّزتها التحديات التي اعترته وأوجعته.




بقلم عبدالله المغلوث

قصة سائق التوصيل اليمني ... مع حكمته العجيبة !



تعرّفتُ على شاب يمني أثناء توصيله ثلاجة إلى منزلي. بعد أن قرأ عليّ السلام سألني عن المكان الذي أرغب أن أضع الثلاجة فيه. قلت له: لا تقلق، في الطابق السفلي. فرد، وابتسامة كبيرة تكسو وجهه: “سأحملها على كتفي إلى السطح، إذا أحببت. هذا واجبي. مساعدتك مصدر سعادتي. هدفي أن أصنع الأصدقاء ببذل أقصى ما أستطيع”.

روحه الجميلة ودماثة أخلاقه جعلتنا صديقين سريعا. فتحت نافذة حوار بيننا. تحدثنا طويلا عن طبيعة عمله وعائلته والشركة، التي يعمل لديها.

أدهشتني ابتسامته، التي يسكبها كشلال من وجهه. عزز لديّ الإيمان بأن المال وحده لا يصنع الروح الجميلة، إنما الروح الجميلة تصنع كل شيء.

بحتُ له بمشاعري تجاه ابتسامته وروحه. فأخبرني أن الابتسامة هي الشيء الوحيد، الذي يسعه أن يقدمه لمن حوله. فلا يملك سواها ليتقاسمه مع الآخرين.


شكرت السائق محمد قبل أن يغادر وسألته إذا كان بوسعي مساعدته بأي شكل وطريقة. لم أكن أعلم أن سؤالي سيمدد حوارنا لأشواط إضافية. لقد أجابني محمد قائلا: “ادعو لي أن يديم عليّ نعمة الصحة والعافية؛ لأسدد ديوني وأستمتع بهذه الحياة”.

 دعوتُ له عاليا أن يرزقه المال ويحافظ على صحته. ضحك ثم علق قائلا: “شكرا على دعوتك، لكني تمنيت أن تشير إلى الصحة أولا”. فقلت له: كلاهما مهمان. لكن عاد وقال: لا مال ينفع دون صحة تعينك على صرفه بسعادة.

هززت رأسي إعجابا بحكمته، فسرد عليّ قصة مالك الشركة، التي يعمل لديها. يقول لي السائق إنه يعمل لدى شخص ثري يملك فروعا عديدة لشركته داخل السعودية وخارجها. التقاه مرة واحدة في الخبر عندما أقام بوفيها مفتوحا تكريما لموظفيه في شهر رمضان المبارك. يصف لي السائق حجم البوفيه الكبير وهو يفتح ذراعيه إلى أقصى حد ممكن حتى خيل لي أنه يحاول الطيران.

وتابع محمد حديثه مشيرًا إلى أنه ومئات الموظفين زملاءه أكلوا في البوفيه كأنهم لم يأكلوا من قبل، وتذوقوا أطباقا لم يتذوقوها قبل ذلك، بينما مالك الشركة، الذي دعاهم، اكتفى بقطعة خبز أسمر وبجوارها علب أدوية عديدة. وحينما عرض عليه محمد أن يجلب له أي طبق يبتغيه قال له مالك الشركة وهو يربت على كتفه: “يا ابني، لو أكلت أي طبق معروض أمامي ربما أموت. أنا مريض بكل الأمراض التي تخطر ولم تخطر على بالك”.


يقول لي محمد إن هذا الموقف جعله يدرك حجم النعمة التي لديه، ولم يستطع مالك الشركة المليونير أن يشتريها من أي متجر وهي الصحة. ليس جديدا ما قاله محمد. لكن جدير أن نتذكره ونستذكره لندرك كم نحن أغنياء.




بقلم عبدالله المغلوث

قصة عبدالرحمن الشمري ... أبو الأطباء !


حرص كلما أتيحت لي فرصة زيارة العاصمة الحبيبة الرياض، أن أتنقل بين شوارعها المزدحمة عبر سيارات الأجرة. تمنحني هذه الرحلات كثيراً من القصص والتجارب الملهمة. إحدى أجمل الرحلات على الإطلاق كانت من محطة سكة الحديد في الملز إلى مقر معرض الرياض الدولي للكتاب في طريق الملك عبد الله. كان بطل الرحلة السائق، عبد الرحمن الشمري (أبو يوسف).

روى لي أبو يوسف في طريقنا كيفية انتقاله من مكة إلى الرياض قبل نحو 19 عاماً. يتذكّر أبو يوسف أن ابنه الأكبر تخرج في الثانوية العامة بتقدير مرتفع. حاول أن يجد له مقعداً في كلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز بجدة فلم يفلح. قدّم ملف ابنه إلى كلية الطب في جامعة الملك سعود فظفر بقبول. انتقل الابن البكر إلى الرياض وحيداً. لكن سرعان ما شعر يوسف بحنين إلى والديه وأخيه وأخته، كاد أن يودي بمستقبله الدراسي. لم يجد الأب خياراً للمحافظة على مستقبل ابنه سوى بالانتقال إلى الرياض والتقاعد مبكراً للاهتمام بابنه ومساعدته على قضاء حوائجه؛ ليركز في دراسته. وصل أبو يوسف إلى الرياض قبل نحو عقدين من الزمن. كان يقوم بالطبخ لابنه والعناية بملابسه ومشاعره. بعد سنوات قليلة التأم شمل الأسرة من جديد لكن في الرياض. جاء الابن الثاني، مشاري، إلى العاصمة؛ لدراسة الطب برفقة والدته وشقيقته.

تخرّج لاحقاً يوسف ومشاري، الأول متخصّصاً في طب الأطفال، والثاني في الجراحة. أما شقيقتهما فهي في طريقها للحصول على شهادة البكالوريوس في طب الأسنان بعد أشهر عدة.

يقول أبو يوسف وهو يقود السيارة مبتسماً: “البعض استثمر في عالم المال والأعمال، أنا استثمرت في أبنائي”.

إن كل استثمار قد يدفعنا إلى الندم إلا الاستثمار في أطفالنا.

تعلمت من أبي يوسف أن التربية تسقى  بالوقت وليس المال.

ضحى الأب بوظيفته ومصدر رزقه وجنى أبناءً واعدين يفخر بهم.

عرض عليه ابنه الأكبر أن يصرف له راتبا مجزيا؛ ليرتاح وينصرف عن قبادة سيارة الأجرة، لكنه رفض. يرى أنه ربى أطفاله حتى يصرفوا على أحلامهم وليس عليه.

يعتقد الكثير من الآباء أن المال الذي ينفقونه على أبنائهم هو أهم خدمة يسدونها لهم، بينما ينسون أن الوقت الذي ينفقونه معهم أغلى وأكثر جدوى.

لولا الوقت الذي صرفه أبو يوسف على أبنائه والتضحيات، التي بذلها في سبيلهم لما شاهدهم اليوم أطباء سامقين تتجاوز طموحاتهم أطول المباني ارتفاعاً.

علمني أبو يوسف أن وراء الكثير من سائقي الأجرة قصصاً عظيمة حفرت أخاديد على وجوههم وأطرافهم. كل تجعيدة في أجسادهم دفعوا ثمنها باهظاً من أجل أبناء لا يكتوون بلهيب الحياة، وحرارة الشمس التي عاشوا تحتها طويلاً.


بقلم عبدالله المغلوث

( أفرح بخسائرك )... الكلمة التي ألهمت الملايين !!

( بإمكان كل منا أن يحول الخسارة، التي وقع فيها إلى سلم يصعد به إلى الأعلى، ويشاهدها ضئيلة حقيرة من فوق. وحدك من يحدد أن تبقى الخسارة أمامك ضخمة تعوق مسيرتك، أو صغيرة تدهسها وتمضي. )



حظيت الكلمة، التي ألقاها ستيف جوبز، الرئيس التنفيذي، والمؤسس الشريك لشركة أبل، أمام جموع الخريجين في جامعة ستانفورد عام 2005 معترفا فيها بإخفاقاته الدراسية وطرده من شركته، بتفاعل وتعاطف كبيرين.

لقد كان النجاح المدوي الذي حققه جوبز في عالم المال والأعمال بعد خسائره المبكرة، هو كلمة السر في نيل هذه الكلمة كل هذا التقدير والاهتمام والتداول. لن تكون كلمته ذات أي معنى لو كان جوبز حينها شخصا عاديا لم يحقق هذا النجاح الهائل، الذي صنع منه أسطورة في عالم التقنية وريادة الأعمال.

 لن توجه له دعوة في الأساس، ولو أتيحت له فرصة أن يتحدث حتى أمام زملائه، وهو لم يحقق نجاحا يذكر، فسيشفق عليه كل من سمعه، وسينتقدونه خلسة على غبائه وعدم استثماره الفرص.

السيناريو نفسه ينطبق على أوبرا وينفري وبيل جيتس وريتشارد برانسون وغيرهم من الشخصيات، التي أفشت خسائرها الماضية بزهو، لكن بعد أن حققت مكاسب جعلتها تستمتع بالخسارة وتبوح بها.

يدخر العديد منا قصص الفشل، التي تعرضنا لها في حياتنا، حتى ننجح ونعلنها؛ لتصبح قصة نجاح نتباهي ونتبختر بها.

فعلى كل واحد منا أن يثأر من خسائره عبر مواصلة أحلامه؛ ليثبت أنها مجرد كبوة تخللت مشاويرنا الطويلة والحافلة.


كل شخص على هذه البسيطة واجه تحديات مختلفة وعوائق عديدة، وارتكب قرارات غير موفقة. بعضنا ظل ضحية لهذه الخسائر. فلم ينجُ منها. غرق في أحشائها، وآخرون كانت لهم طوق نجاة ليصلوا بها إلى شواطئ تواكب تطلعاتهم وإمكاناتهم.

بإمكان كل منا أن يحول الخسارة، التي وقع فيها إلى سلم يصعد به إلى الأعلى، ويشاهدها ضئيلة حقيرة من فوق. وحدك من يحدد أن تبقى الخسارة أمامك ضخمة تعوق مسيرتك، أو صغيرة تدهسها وتمضي.

لا توجد سخرية أجمل من السخرية من خسائرك. لكن لن تستطيع أن تحقق ذلك إذا لم تتجاوزها.

أمام كل منا خياران لا ثالث لهما. إما أن نتجاوز خسائرنا أو نقف مكبلين بها. أدرك تماما أنه من الصعب التحرر من قيد هذه الخسائر، لكن أعلم أيضا أن أجمل شعور هو بالانتصار عليها والنظر إليها كلافتة، وجهتك إلى الطريق الصحيح.

نحن من نقرر أن تصبح خسائرنا مصدر امتنان، أو مصدر إحباط.


بقلم عبدالله المغلوث

غضب زوجته .. جعله يخترع الأسكريم بالبسكويت الذي اشتهر عالمياً !



واجه جورج بانج، صاحب كشك لبيع الآيسكريم خلال المعرض الدولي في سانت لويس بولاية لويزيانا الأمريكية عام 1904 مشكلة كبيرة تتجسّد في نفاد علب الآيسكريم إثر تدفق الزبائن بشكل غير اعتيادي على كشكه. وبّخته زوجته بسبب عدم تقديره لحجم الإقبال على الكشك في أثناء المعرض وعدم جلبه أعداداً كبيرة من العلب الفارغة تواكب الطلبات المنتظرة.

غادرت زوجته الكشك بعد أن احتدم الخلاف بينهما حينما شعرت أن زوجها أهدر فرصة ثمينة لزيادة دخلهما. نشبت في أعماق جورج نار مستعرة رغم أنه كان يقف أمام ثلاجة الآيسكريم الباردة.

 لم يكن أمامه خيار سوى البحث عن بديل للعلب غير المتوافرة كون شرائها يتطلب انتظاراً يمتد إلى أكثر من أسبوع. كما أن جورج لن يستطيع أن يغلق الكشك ويقفل عائداً إلى منزله؛ لأن زوجته ستستقبله بعتاب لا ينضب ولوم لن يتوقف.

 كان الحل الوحيد أمامه أن يلف كرات الآيسكريم على شرائح بسكويت الوافل، الذي يبيعه هو الآخر. فوجئ جورج بقبول الزبائن لهذا الخيار الجديد، بل تفضيله لاحقاً على العلب التقليدية. فسارع جورج إلى تسجيله كاختراع جديد أسهم في ذيوع اسمه وافتتاحه متاجر متخصّصة لبيع الآيسكريم بالبسكويت.

الطريف أن جورج كان يعزو نجاجه في اختراع كوز الآيسكريم “آيسكريم بالبسكويت ذو شكل مخروطي” إلى حدة زوجته. فهو يؤمن أن انفعال زوجته بسبب إهماله دفعه إلى البحث عن حل يساعده على مواجهة المشكلة، التي تسبّب فيها. يعتقد جورج لو أن زوجته تعاملت بتسامح مع خطئه فربما لم يفكر في أي حل آخر. سيغلق الكشك ويعود إلى المنزل ليسترخي.


إن أغلب النجاحات جاءت من رحم المعاناة ونتيجة الضغوط والإلحاح والشقاء، فكلما كنت في مأزق عملت بكل مثابرة للخروج منه. ومن هنا جاءت أهم الاختراعات ما كبر منها وما صغر. الحاجة أم الاختراع.

تهبنا ظروفنا الصعبة حلولا تسعدنا وتسعد غيرنا.

وحدها التحديات تصنع النتائج المذهلة والاستثنائية. لو كان كل المخترعين والرياديين ينعمون برفاهية مطلقة دون عقبات وعوائق وحوافز، لا أعتقد اننا سنتمكن من مصافحة منتجات مثيرة للمتعة والدهشة معاً.

نسيء التقدير مراراً عندما نظن أن الأجواء الحالمة تلهمنا وتحرّضنا على الإبداع. ثمة ضغوط شديدة تشعل شرارة الأفكار غير التقليدية. أشهى الأطعمة تستوي على درجة حرارة عالية.


بقلم عبدالله المغلوث

سامي الموسى ... من ميدان الهندسة إلى ساحة المطبخ !

 

سامي الموسى

في مطلع عام 2012 وضع المهندس سامي بن ناصر الموسى، صورة وشرحاً لطبق (كاساديا) صنعه في مطبخه على حسابه في موقع “تويتر”، للتدوين المصغر. حظي هذا الطبق البسيط بتصفيق الكثير من متابعيه.

 شجع هذا التصفيق سامي على مشاركة متابعيه المزيد من أطباقه البسيطة. اقترحت عليه متابعة في “تويتر” أن يستثمر تطبيق إنستاجرام، لمشاركة الصور، في عرض أطباقه ومقاديره؛ كونه قد يتيح مزيداً من المساحة للكلمة والصورة. استهجن سامي الفكرة أولاً فهو من أنصار “تويتر” المخلصين، وقتئذ. لكن بعد أن تجول في أرجاء إنستاجرام وجد فيه الملاذ الملائم؛ لعرض هوايته، التي ظلت حبيسة الظلام سنوات عديدة.

 

ركز سامي على تبسيط صناعة الأطباق. الطبق الذي كان يستغرق ساعتين أصبح برفقة سامي لا يستغرق سوى دقائق. تدفق المبتعثون والمبتعثات على حسابه، الذي يزدحم بالشروحات والصور والفيديو.

 

تساءل سامي بينه وبين نفسه: كيف أستطيع أن أصنع لنفسي خطاً مختلفاً؟ أجاب بنفسه بسرعة عن سؤاله حول معاناته مع القولون إلى خط خاص. صنع أطباقاً لا تتسبّب في استفزاز قولونه وعرضها على متابعيه. أقبل عليها متابعوه المصابون بالقولون بسخاء. غمروه شكراً وثناءً؛ لأنه منحهم حلولاً ذكية ومتاحة بعد صراع مرير مع خيارات غير مناسبة.

التفاعل الكبير، الذي وجده سامي، المتخصّص في الهندسة المدنية، جعله يتخذ القرار الذي أجّله طويلا، المتمثل في افتتاح شركة أغذية تتفرع منها سلسلة مطاعم ومقاه متخصّصة في الرياض.

يحس سامي بسعادة كبيرة كلما ولّى وجهه شطر المطبخ. يشعر أنه يطبخ مستقبله بيديه بعد أن ظل الآخرون يتناوبون على إعداد مستقبله نيابة عنه.


أصبحت أطباق سامي خلال فترة وجيزة مطلباً ملحاً للكثيرين، يتهافت على أطباقه وتوابله المئات. فكلما شارك في بازار أو مهرجان نفدت منتجاته بسرعة البرق.

إن “إنستاجرام” ورشة عمل ينبغي أن يستغلها أي موهوب. يتذوق عبرها آراء الناس ثم ينتقل إلى مستوى أكثر احترافية.

يعمل سامي حالياً على قدم وساق لافتتاح شركته الواعدة، مستذكراً جلوسه بجوار والدته، رحمها الله، وهي تعد أقراص البر.

يؤكد سامي أنه يقوم بإعداد هذه الأقراص كلما اشتاق إلى أمه. لكن لم يكن يعلم أن هذا الشوق سيمهد له الطريق إلى هذا المصير اللذيذ.

كلما قمنا بأعمال نحبها، حققنا نجاحاً لا يخطر على بالنا، وكلما أصررنا على القيام بأشياء لا نطيقها، انغمسنا في حزننا واكتئابنا. مَن يصنع طبقاً رديئاً قطعا لن يستمتع به.




بقلم عبدالله المغلوث

أم صالح الهاجري ... ماذا فعلت بعد أن سافرت بنتها الوحيدة للدراسة ؟!

تشعر أم صالح الهاجري بوحدة قاتلة بعد أن تزوجت ابنتها الوحيدة وغادرت مع زوجها إلى أستراليا لمتابعة دراستهما.

أحست أنها أوشكت على الموت إثر فراق ابنتها وصديقتها وحبيبتها. فبعد أن رحل زوجها لم يتبق لها سوى ابنتها التي كانت تملأ حياتها ووجهها بالابتسامات.

ظلت تصرف أوقاتا طويلة مع ابنتها على الهاتف، لكن الحديث معها لم يعدها إليها، بل زادها اشتياقا لها. تغلق السماعة وتفتح صنبور دموعها. تبكي بحرقة حتى تجف مياهها وتنام.

 ظلت شهورا عديدة على هذه الحال حتى قررت أن تقوم بمبادرة غيّرت روتينها اليومي وحياتها. استأنفت طهي الطعام من جديد بعد أن ودّعته منذ أكثر من عقدين من الزمن بعد أن استقدمت عاملة منزلية.

 بدأت في إعداد الطعام إلى أربعة أشخاص يومياً. وبعد أن تنتهي من تحضير وجبتها اليومية تقوم بتوزيع ثلاثة أطباق على ثلاثة منازل مختلفة كل يوم. فمرة توزعها على جيرانها. ومرة تذهب مع سائقها إلى محطة الوقود وتمنح أول ثلاثة تقابلهم طبقها الطازج. ومرات عديدة تهديها إلى حرّاس الأمن الذين يقفون بمحاذاة أبواب المباني المترامية الأطراف في مدينة الظهران.

كان الطبق الرابع هو الوحيد الذي لا يتغيّر مستقبله. يذهب هذا الطبق إلى مؤذن مسجد الحي، الذي يرقد في المستشفى منذ سنوات إثر حادث مروري.

منذ أن بدأت أم صالح في مبادرتها اليومية انقلب حالها رأسا على عقب. تحولت من سيدة حزينة إلى أخرى مقبلة على الحياة.

أثمرت مبادرتها في رسم السعادة على محياها وأعماقها. توسعت مبادرتها لتتحول إلى سلوك تقوم به جاراتها. فبعد أن كان مؤذن الحي يعاني الاكتئاب تحسّن مزاجه تدريجيا. أضحى يستقبل وجبات فرح يومية من أم صالح وجيرانها. طرد الإحباط من جوفه. عاد ليصدح مؤذنا في مسجد الحي وهو على كرسي متحرك بعد أن أحاطه جيرانه باهتمامهم وعطرهم.

تبتسم أم صالح كلما سمعت هدير مؤذنها يتدفق في أذنها من جديد. تشعر أنها كمَن أسهم في عودة نبتة إلى جذورها.

يعيش الكثير منا حالات حزن كبيرة. لكن نتناسى أنه بيدنا أن نتخلص منها أو نخفّف من حدة وطأتها لو سكبنا لحظات سعيدة على آخرين. لا شيء يطفئ الحزن كفعل الخير. إنه الماء الذي يخمد أشرس حريق.



بقلم عبدالله المغلوث